- نشرة منسوج
- Posts
- الأزياء في اليوم الوطني تكرار أم ابتكار؟🇸🇦
الأزياء في اليوم الوطني تكرار أم ابتكار؟🇸🇦
بقلم رهف القنيبط
عند مناقشتي لأفكار المبدعين خلف تصاميم اليوم الوطني، نلمس في حديثهم إشراقًا وابتكارًا مبهرًا، لكن عندما ننظر للنتيجة النهائية، نجد أن تلك الأفكار الرائعة لا تتجلى بوضوح كما كانت تجوب في الأذهان. هنا، تكمن الفجوة التي تبتلع الإبداع، فالفكرة المميزة للتصميم يجب أن تشع بوضوح وتفرض وجودها بقوة، مثل شعلة لا يمكن تجاهلها، ولهذا نتطرق بهذا المقال إلى عملية التكرار والابتكار التي يشهدها مشهد الأزياء في اليوم الوطني السعودي
عبر مرور التاريخ، لطالما اقترنت الأزياء بالحضارة حيث ذكر ابن خلدون :” إنما تفصيل الثياب وتقديرها وإلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها” مشيرًا لتطور تصميم الأزياء وأدواتها وارتباطها الوثيق بالفن، ولهذا تتجلى ملامح الاحتفال في اليوم الوطني من خلال التألق بالأزياء، حيث تروي كل قطعة صُمِمَّت خصيصًا لهذه المناسبة قصص الفخر والاعتزاز
يشهد اليوم عالم الأزياء بالمملكة تطور ملحوظ وحرفية عالية، إلا أن ملامح الاحتفال بواحدة من أبرز المناسبات تشهد تكرارًا وتفتقر للابتكار من الأساليب والألوان، والأهم من ذلك استخدام الرموز الثقافية
من المعلوم أن الرموز تقف كبديل عن شيء، أو تحل محله، بحيث تكون هناك علاقة بينهما، علاقة الملموس بالمجرد، على اعتبار أن الرمز هو شيء له وجود "حقيقي" مشخص، ولكنه يرمز إلى فكرة، أو معنى، وفي عالم الأزياء نرى في التصاميم تجسيدات مبهرة ومميزة لرموز ثقافية مختلفة
لكن في أزياء اليوم الوطني السعودي، يتجمد الزمن لنرى تكرارًا غير منتهي، على بالرغم من امتلاك المملكة العربية السعودية تاريخ ثقافي وحضاري غني وتراث عريق على مر الزمان، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها المبادرات لإبراز هذا التراث وإيصاله إلى العالم
مثالٌ على ذلك، أصدرت وزارة الثقافة دليل يُسمى "توثيق التراث الثقافي وأرشفته الرقمية في السعودية"، ساعيةً من خلاله إلى توفير مرجع يساعد الجهات على توثيق العناصر الثقافية وأرشفتها الرقمية، لتكون مرجع لكل مهتم، بجانب العديد من المبادرات المختلفة، إلا أن الرموز المستخدمة في أزياء اليوم الوطني تعيد نفسها عامًا تلو عام، مما يُفقدها بريق التجديد ويجعلها مجرد فكرة كان يمكن أن تُروى بطرق إبداعية وابتكارية أكثر
هذه اللحظات، تطرح أسئلة عميقة حول السبب الذي يجعل بعض المصممين يترددون في الخروج عن إطار ما هو مألوف ومعتاد إلى ما هو غير متوقع، ليبقى أسير نماذج تكررت حتى باتت مألوفة أكثر مما ينبغي في عالم جوهره التجديد
قد تركز بعض المجموعات على إبراز رمز واحد سارقًا الأضواء من بقية التصاميم، وهذا ما يؤدي إلى تهميش التفاصيل الأخرى وجعلها غير ملحوظة، مما يفقد المجموعة توازنها وتنوعها، ويجعل التجربة البصرية أقل إشباعًا
أما الافتقار إلى الابتكار قد يأتي بإتباع التصاميم السائدة لضمان الربح السريع وخصوصًا أنها مناسبة ذي وقت محدد، وهذه نقطة مهمة جدًا للمصمم وبالنهاية الهدف هو العائد المادي بكل تأكيد، لكن هذه النقطة قد تنعكس سلبًا على المصمم لأنها قد تكون دلالة على محدودية الإلهام وقلة الابتكار في الأفكار
منذ الاسبوع الأخير من أغسطس، هلت تصاميم الأزياء بنقوش محددة في كل مكان باعتبارها الصيحة الجديدة لاحتفالات هذا العام، ولا شك أن الصيحات مهمة جدًا، لكن لا يمكن بناء مجموعة كاملة على أساسها أو الاكتفاء بها كمشاركة في هذه المناسبة المميزة
حيث تعكس عملية الإبداع والابتكار مدى وعي وثقافة المصمم، ولأن المفهوم خلف الأزياء يكمن في دمج وسرد القصص والفلسفات المختلفة والإبحار في عوالم الفن، فإن التكرار يجعل المصمم محصورًا في إطار ثابت يصبح مع مرور الوقت مثل المتاهة يصعب الخروج منها، وتتلاشى قدرته على الإتيان بآفاق جديدة
مصادر الإلهام في عالم الأزياء في هذه المناسبة تحديدًا لا يجب أن تأتي فقط من أمور ملموسة، فالتجسيدات العاطفية، تأتي كرموز غير ملموسة تعبّر عن الانتماء والاعتزاز لوطن معطاء، فهذا اليوم توحدت فيه مملكتنا الغالية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وهذه المشاعر الدافئة بحد ذاتها مصدر رئيسي للإلهام والإبداع والإبتكار
وفي نهاية المطاف، الأزياء في اليوم الوطني السعودي هي لغة غير منطوقة للتعبير عن مشاعر ترابطنا بتراثنا وهويتنا بأساليبنا الخاصة
✍🏻بقلم: رهف القنيبط
كاتبة في مجلة هي ومنسوج
Reply